علم المستقبل في الفكر العالمي المعاصر /د . احمد جدي
السبت يناير 23, 2010 2:10 pm
علم المستقبل أو «المستقبلية» (Futurologie) أو الدراسات المستقبلية حقول معرفية حديثة جداً، ذلك أنها نشأت في رحم وديناميكية الغرب المعاصر على تنوّعه جغرافياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً ومجتمعياً. والاهتمام بهذه المسائل متزايد ومستمر ومتسع في اهتمامات وأجهزة ونخبة الغرب – من اليابان إلى أمريكا الشمالية مروراً بأوروبا.
إنّه بعد أساسي من أبعاد الدولة والعلم والنخبة في المجتمعات الغربية. فارتباطه بالاقتصاد والديمغرافيا والعلم والتقنية والسياسة والطبيعة والثقافة ونمط الحياة والسيطرة على الآلة والفضاء والزمن يضفي عليه صفة الشمولية والحركيّة والتجاوز.
إن الظاهرة المتعلقة أساساً بمفهوم الفكر الغربي المعاصر للتاريخ والزمن والحركة والفضاء والعلم والطاقة والإنسان والكون. فقد تجاوز الغرب الاهتمام بالماضي والحاضر مركزاً الجهود على المستقبل كبعد من أبعاد الزمن والحاضر في آن واحد(1) والزمن بصفة أساسية، على اختلاف مواقعه في الفكر الغربي وعلاقاته بمعطيات اجتماعية ومادية وثقافية وسياسية عديدة(2).
ذلك أن الحديث عن الزمن الثقافي والزمن الاجتماعي والزمن الفيزيائي / الطبيعي والزمن السياسي والزمن التاريخي والزمن الفلسفي والزمن الاقتصادي والزمن الذاتي / الفردي أمر عادّي في الفكر الغربي المعاصر، وليس حكراً على النخبة وأجهزة الدولة. إنها ثورة في / على مفهوم الزمن ارتبطت بالاقتصاد والعلوم والتقنية إلى حد الاهتمام - بالاستمرار - بالخيال العلمي في مجالات الإبداع العامة(La Science Fiction). فالزمن في الفكر الغربي وحضاراته ثابت - متحول الأسباب وبمناهج مختلفة. هكذا يربط الفكر الغربي المعاصر ظاهرة الزمن بظواهر أخرى تتداخل وتختلف لكنّها لا تنفي الزمن، إنّها ظواهر الفضاء والسلطة والعلم والتكنولوجيا والايديولوجيا(3) والمفاهيم السياسة في العالم المعاصر(4).
إن أرضيّة التفكير في مسألة الزمن - بالنسبة إلى الفكر الغربي - وفهمها وتأويلها خاضعة كذلك المجالات وأدوات أخرى مثل المخيال (L’Imaginaire)(5) والرمزية والتأويل(6) والحفريات في المعرفة بلغة ميشال فوكو(7). إنها التحوّلات العقيمة في هياكل وأفق وعلاقات المجتمع الغربي التي أنتجت حركة فكرية جديدة مرتبطة أساساً بمجتمع ما بعد الثورة الصناعية والتواصلية. في هذا الإطار، يتنزّل الاهتمام المتزايد بعلم المستقبل في الفكر الغربي المعاصر الذي بدأ باستشراف مستقبل العالم حوالي سنة 2000( وفي المائة سنة القادمة(9) في إطار عالم بدون حدود(10).
هذه القضايا الفكرية الاستراتيجية محور دراسات مستقبلية مؤسساتية(11) منشغلة بإشكالية التقدم(12) ومجئ المجتمع ما بعد الصناعي(13). هل يعني هذا الاهتمام بالمستقبل - في الفكر والتاريخ الغربيين - مشروع تحدّي مستقبل الإنسان والسيطرة عليه(14)؟ لقد حصل تراكم معرفي هام في مجال البحث المتعلّق «بالمستقبليات» يربط بالضرورة وبطرق متنوّعة بين التاريخ ودراسة المستقبل(15) والعلم السياسي(16) والعلم التكنولوجيا في عالم الغد(17) اعتماداً على نقد ومعرفة حدود التنمية في العالم المعاصر(18).
لقد احتدّ النقاش والبحث في الغرب المعاصر حول إشكالية «المستقبل» كعوالم مختلفة وجب التجنّد لها معرفياً واستراتيجياً وعلمياً وثقافياً وسياسياً(19). فالمسألة مرتبطة بنمط الحادثة البورجوازي الغربي الذي أفرز تناقضاته وحدوده وسلبياته بشهادة الغرب نفسه(20).
من هذه الزاوية، وجب تأكيد أنّ الغرب الحديث والمعاصر لم تصدمه الحداثة فقط، بل المستقبل كذلك باعتباره شرطاً وبعداً من مساره التاريخي(21). لذا التزم بدراسة المستقبل(22) وأصبحت الكتب السنويّة للدراسات المستقبلية من محاور وملامح البحوث العلمية والأكاديمية الأساسية في المجتمع الغربي(23).
إن دراسة المستقبل في الغرب الحديث تعتمد على معطيات علمية وديمغرافية واقتصادية وطبيعية وسياسية مندرجة في نسق معيّن. فيمكن القول بأن «دراسة المستقبل» هي في حقيقتها استشراف للمستقبل بجميع أبعاده الزمنية (المدى القصير - المدى المتوسط - المدى الطويل) أي جملة «تنبؤات مشروطة» تشتمل المعالم الرئيسية لأوضاع مجتمع ما في مرحلة من مراحله التاريخية.
وتنطلق هذه الاجتهادات والدراسات والتنبؤات لفهم أو تحديد معالم وصور «المستقبل» من افتراضات عديدة خاصة بالماضي والحاضر ولاستكشاف أثر الدخول عناصر مستقبلية على المجتمع. من البيّن أن المسألة مشروطة بأجهزة متطوّرة وإمكانيات وافرة وكفاءات عالية وفلسفة سياسية اجتماعية متكاملة ولازمة لتخطيط هيكلي ديناميكي متميز. ولابدّ من الإشارة إلى أن مصطلح المستقبلية أو «علم المستقبل» (Futurologie) هو الشائع في الغرب الرأسمالي وظهر ليعني التبشير ببعض عناصر وجزئيات صورة المستقبل ولمدى طويل. وقد ارتبط أساساً بالثورة العلمية والحداثة التكنولوجية. إلاّ أن في أوروبا الشرقية، المصطلح المستعمل هو (Prognosis) أي الوصول إلى خلفية للمعلومات المستقبلية لمدى طويل وهي لازمة للنشاط الاقتصادي والتخطيط الدقيق. ومن الثابت كذلك أن مثل هذه النشاطات الفكرية والعلمية تعتمد أساليب ومناهج عديدة لتحديد وضبط مهامّها الرئيسية وصورها المستقبلية ويقسّمها الاختصاصيون والفنيون في هذه الدراسات إلى المجموعات الرئيسية التالية:
1 - المنهج الحدسي المبني على الخبرة.
2 - المنهج الاستكشافي وهو استطلاع مستقبل علاقات قامت في الماضي وعن طريق نموذج صريح للعلاقات والتشابكات.
3 - المنهج الاستهدافي وهو التدخّل الواعي لتغيير المسارات المستقبلية في ضوء أهداف وأحكام محدّدة مسبقاً.
4 - المنهج الشمولي وهو التعبير الدقيق عن كل الظواهر والحركيات، بحيث لا تهمل العلاقات التي قامت في الماضي، ولا تهمل الأسباب والمضاعفات الموضوعية التي تفرض نفسها لتغيير المسارات المستقبلية. ويؤكد خبراء هذا الميدان أن كلّ المناهج والأساليب المعنية تستخدم مع بعضها وبنسب متفاوتة اعتباراً لطبيعة الدراسة وأهدافها ونسقها العام. إنَّ نشأة علم المستقبل، وتطوره وتأثيره في العالم المعاصر ظاهرة مرتبطة بالغرب الصناعي التكنولوجي – ومعه الاقتصاد العالمي– بمختلف مراحل التطور والأزمات.
إن الحضارة المعاصرة حضارة كونية علمية تقنية باختلاف أنماط تنمية المجتمعات وتجاربها التاريخية. فالدراسات المستقبلية تشمل من هذه الزاوية كل المعمورة – شرقها وغربها – شمالها وجنوبها – رأسماليتها واشتراكيتها وعالمثالثيّتها. من ذلك أن منظمات عالمية وإقليمية وغير حكومية ومختصة تهتمّ أساساً بالدراسات المستقبلية ومشروع مستقبليات العالم على اختلاف هياكله ومجتمعاته. ففي عام 1975م وبناء على قرار من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تكوّنت مجموعة «المستقبليات المتداخلة» هدفها دراسة التطور المستقبلي للمجتمعات الصناعية المتطوّرة على نحو يتوافق مع تطوّر مجتمعات الدول النامية. وتقدّم هذه الدراسات نفسها على أنها استشراف تحليلي لبدائل المستقبل(24).
وفي هذا الإطار، تعددت المدارس والنماذج الفكرية للدراسات المستقبلية متباينة في المنطلقات والمناهج والبرامج، ودون تحليلها ومعرفة خصائصها العامة، نوردها حسب تسميتها الرسمية:
أ - نموذج نادي روما ومركزيّة تفكيره «حدود النمو»(25).
ب - نموذج «ميزارُوفيتش» و «باستل» مركز على الوضع العالمي للطاقة، وبخاصّة النفط والأوضاع العالمية لمسألة الغذاء والتغذية(26).
ج - نموذج مؤسسة «بارْيُولتْشي» (الأرجنيتن) مركز على تصوّر أمريكا اللاتينية للعالم، ذلك أنه يتبنّى قضايا العالم الثالث(27).
د - نموذج «ليُونْتِييف» للاقتصاد العالمي الذي كُلّفت به وأشرفت عليه منظمة الأمم المتحدة سنة 1970م، ومحوره استراتيجية التنمية العالمية لمقاييس الأمم المتحدّة في تقسيم العالم وإنجاز التنمية المنشودة في برامجها المختلفة وأدواتها وآلياتها العديدة(28).
هـ - نموذج «ساروم» الإنكليزي، والذي أشرفت عليه إدارة البيئة بالمملكة المتحدة، ويعتمد خصوصاً على بناء نموذج محاكاة له أسس نظرية متّسقة لدراسة مستقبل الموارد العالمية(29).
فميزة هذه النماذج «للمستقبليات» العالم، على اختلافها الإيديولوجي والسياسي والاجتماعي، أنها تتكامل، ويكون بعضها مع بعضها الآخر نموذجاً شاملاً وشمولياً لا يهمل في تحاليله وتخطيطاته معطيات التغيير السياسي والاجتماعي: ثروات الطبيعة، علاقات الإنسان بالطبيعة، دور العلم والتقنية في التنمية، علاقة العالم الثالث بالرّأسمالية العالمية، علاقة الدّولة بالمجتمع، صراعات المجتمعات، دور الثقافة والتّعليم والفن والفلسفة في التنمية ..الخ، كما لا تهمل الفضاء العالمي والخريطة الجغرافية للمعمورة، ولو كانت هذه النماذج - في أغلبها - ناشئة في الغرب وذات المنحنى المركزي الأوروبي: فأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينيّة - بتجاربها الحضارية التاريخية - القديمة والحديثة، وبالإشكالات التي تطرحها في التّاريخ المعاصر، عنصر أساسي وبعد مركزي في فكر واستراتيجية الغرب على تباين أنظمته السياسية الاجتماعية. فليس جديداً أن نلاحظ اهتمام الغرب بالعالم غير الغربي – في دراساته وسياساته الاستشرافية المستقبلية.
وفي هذا الإطار، يحتل الوطن العربي مكانة متميّزة باعتباره، في نظرة الغرب، مخزن النّفط والوقود على المدى الطويل(30). كما تختلف صور الوطن العربي في هذه النماذج، وهذا ما يشكّل استراتيجية الغرب نحو الغرب لاعتبارات عديدة وبآليات مختلفة. الثابت أن الفضاء العربي الإسلامي حاضر في فكر وسياسة وبرامج الغرب، وإن اختلفت النّظرة إليه(31). هكذا انخرط العرب - فكراً وسياسة ومواقف وردود فعل - في الدراسات المستقبلية، وكوّنوا إحدى قضاياها المركزية واهتماماتها الأولى.
إنّه بعد أساسي من أبعاد الدولة والعلم والنخبة في المجتمعات الغربية. فارتباطه بالاقتصاد والديمغرافيا والعلم والتقنية والسياسة والطبيعة والثقافة ونمط الحياة والسيطرة على الآلة والفضاء والزمن يضفي عليه صفة الشمولية والحركيّة والتجاوز.
إن الظاهرة المتعلقة أساساً بمفهوم الفكر الغربي المعاصر للتاريخ والزمن والحركة والفضاء والعلم والطاقة والإنسان والكون. فقد تجاوز الغرب الاهتمام بالماضي والحاضر مركزاً الجهود على المستقبل كبعد من أبعاد الزمن والحاضر في آن واحد(1) والزمن بصفة أساسية، على اختلاف مواقعه في الفكر الغربي وعلاقاته بمعطيات اجتماعية ومادية وثقافية وسياسية عديدة(2).
ذلك أن الحديث عن الزمن الثقافي والزمن الاجتماعي والزمن الفيزيائي / الطبيعي والزمن السياسي والزمن التاريخي والزمن الفلسفي والزمن الاقتصادي والزمن الذاتي / الفردي أمر عادّي في الفكر الغربي المعاصر، وليس حكراً على النخبة وأجهزة الدولة. إنها ثورة في / على مفهوم الزمن ارتبطت بالاقتصاد والعلوم والتقنية إلى حد الاهتمام - بالاستمرار - بالخيال العلمي في مجالات الإبداع العامة(La Science Fiction). فالزمن في الفكر الغربي وحضاراته ثابت - متحول الأسباب وبمناهج مختلفة. هكذا يربط الفكر الغربي المعاصر ظاهرة الزمن بظواهر أخرى تتداخل وتختلف لكنّها لا تنفي الزمن، إنّها ظواهر الفضاء والسلطة والعلم والتكنولوجيا والايديولوجيا(3) والمفاهيم السياسة في العالم المعاصر(4).
إن أرضيّة التفكير في مسألة الزمن - بالنسبة إلى الفكر الغربي - وفهمها وتأويلها خاضعة كذلك المجالات وأدوات أخرى مثل المخيال (L’Imaginaire)(5) والرمزية والتأويل(6) والحفريات في المعرفة بلغة ميشال فوكو(7). إنها التحوّلات العقيمة في هياكل وأفق وعلاقات المجتمع الغربي التي أنتجت حركة فكرية جديدة مرتبطة أساساً بمجتمع ما بعد الثورة الصناعية والتواصلية. في هذا الإطار، يتنزّل الاهتمام المتزايد بعلم المستقبل في الفكر الغربي المعاصر الذي بدأ باستشراف مستقبل العالم حوالي سنة 2000( وفي المائة سنة القادمة(9) في إطار عالم بدون حدود(10).
هذه القضايا الفكرية الاستراتيجية محور دراسات مستقبلية مؤسساتية(11) منشغلة بإشكالية التقدم(12) ومجئ المجتمع ما بعد الصناعي(13). هل يعني هذا الاهتمام بالمستقبل - في الفكر والتاريخ الغربيين - مشروع تحدّي مستقبل الإنسان والسيطرة عليه(14)؟ لقد حصل تراكم معرفي هام في مجال البحث المتعلّق «بالمستقبليات» يربط بالضرورة وبطرق متنوّعة بين التاريخ ودراسة المستقبل(15) والعلم السياسي(16) والعلم التكنولوجيا في عالم الغد(17) اعتماداً على نقد ومعرفة حدود التنمية في العالم المعاصر(18).
لقد احتدّ النقاش والبحث في الغرب المعاصر حول إشكالية «المستقبل» كعوالم مختلفة وجب التجنّد لها معرفياً واستراتيجياً وعلمياً وثقافياً وسياسياً(19). فالمسألة مرتبطة بنمط الحادثة البورجوازي الغربي الذي أفرز تناقضاته وحدوده وسلبياته بشهادة الغرب نفسه(20).
من هذه الزاوية، وجب تأكيد أنّ الغرب الحديث والمعاصر لم تصدمه الحداثة فقط، بل المستقبل كذلك باعتباره شرطاً وبعداً من مساره التاريخي(21). لذا التزم بدراسة المستقبل(22) وأصبحت الكتب السنويّة للدراسات المستقبلية من محاور وملامح البحوث العلمية والأكاديمية الأساسية في المجتمع الغربي(23).
إن دراسة المستقبل في الغرب الحديث تعتمد على معطيات علمية وديمغرافية واقتصادية وطبيعية وسياسية مندرجة في نسق معيّن. فيمكن القول بأن «دراسة المستقبل» هي في حقيقتها استشراف للمستقبل بجميع أبعاده الزمنية (المدى القصير - المدى المتوسط - المدى الطويل) أي جملة «تنبؤات مشروطة» تشتمل المعالم الرئيسية لأوضاع مجتمع ما في مرحلة من مراحله التاريخية.
وتنطلق هذه الاجتهادات والدراسات والتنبؤات لفهم أو تحديد معالم وصور «المستقبل» من افتراضات عديدة خاصة بالماضي والحاضر ولاستكشاف أثر الدخول عناصر مستقبلية على المجتمع. من البيّن أن المسألة مشروطة بأجهزة متطوّرة وإمكانيات وافرة وكفاءات عالية وفلسفة سياسية اجتماعية متكاملة ولازمة لتخطيط هيكلي ديناميكي متميز. ولابدّ من الإشارة إلى أن مصطلح المستقبلية أو «علم المستقبل» (Futurologie) هو الشائع في الغرب الرأسمالي وظهر ليعني التبشير ببعض عناصر وجزئيات صورة المستقبل ولمدى طويل. وقد ارتبط أساساً بالثورة العلمية والحداثة التكنولوجية. إلاّ أن في أوروبا الشرقية، المصطلح المستعمل هو (Prognosis) أي الوصول إلى خلفية للمعلومات المستقبلية لمدى طويل وهي لازمة للنشاط الاقتصادي والتخطيط الدقيق. ومن الثابت كذلك أن مثل هذه النشاطات الفكرية والعلمية تعتمد أساليب ومناهج عديدة لتحديد وضبط مهامّها الرئيسية وصورها المستقبلية ويقسّمها الاختصاصيون والفنيون في هذه الدراسات إلى المجموعات الرئيسية التالية:
1 - المنهج الحدسي المبني على الخبرة.
2 - المنهج الاستكشافي وهو استطلاع مستقبل علاقات قامت في الماضي وعن طريق نموذج صريح للعلاقات والتشابكات.
3 - المنهج الاستهدافي وهو التدخّل الواعي لتغيير المسارات المستقبلية في ضوء أهداف وأحكام محدّدة مسبقاً.
4 - المنهج الشمولي وهو التعبير الدقيق عن كل الظواهر والحركيات، بحيث لا تهمل العلاقات التي قامت في الماضي، ولا تهمل الأسباب والمضاعفات الموضوعية التي تفرض نفسها لتغيير المسارات المستقبلية. ويؤكد خبراء هذا الميدان أن كلّ المناهج والأساليب المعنية تستخدم مع بعضها وبنسب متفاوتة اعتباراً لطبيعة الدراسة وأهدافها ونسقها العام. إنَّ نشأة علم المستقبل، وتطوره وتأثيره في العالم المعاصر ظاهرة مرتبطة بالغرب الصناعي التكنولوجي – ومعه الاقتصاد العالمي– بمختلف مراحل التطور والأزمات.
إن الحضارة المعاصرة حضارة كونية علمية تقنية باختلاف أنماط تنمية المجتمعات وتجاربها التاريخية. فالدراسات المستقبلية تشمل من هذه الزاوية كل المعمورة – شرقها وغربها – شمالها وجنوبها – رأسماليتها واشتراكيتها وعالمثالثيّتها. من ذلك أن منظمات عالمية وإقليمية وغير حكومية ومختصة تهتمّ أساساً بالدراسات المستقبلية ومشروع مستقبليات العالم على اختلاف هياكله ومجتمعاته. ففي عام 1975م وبناء على قرار من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تكوّنت مجموعة «المستقبليات المتداخلة» هدفها دراسة التطور المستقبلي للمجتمعات الصناعية المتطوّرة على نحو يتوافق مع تطوّر مجتمعات الدول النامية. وتقدّم هذه الدراسات نفسها على أنها استشراف تحليلي لبدائل المستقبل(24).
وفي هذا الإطار، تعددت المدارس والنماذج الفكرية للدراسات المستقبلية متباينة في المنطلقات والمناهج والبرامج، ودون تحليلها ومعرفة خصائصها العامة، نوردها حسب تسميتها الرسمية:
أ - نموذج نادي روما ومركزيّة تفكيره «حدود النمو»(25).
ب - نموذج «ميزارُوفيتش» و «باستل» مركز على الوضع العالمي للطاقة، وبخاصّة النفط والأوضاع العالمية لمسألة الغذاء والتغذية(26).
ج - نموذج مؤسسة «بارْيُولتْشي» (الأرجنيتن) مركز على تصوّر أمريكا اللاتينية للعالم، ذلك أنه يتبنّى قضايا العالم الثالث(27).
د - نموذج «ليُونْتِييف» للاقتصاد العالمي الذي كُلّفت به وأشرفت عليه منظمة الأمم المتحدة سنة 1970م، ومحوره استراتيجية التنمية العالمية لمقاييس الأمم المتحدّة في تقسيم العالم وإنجاز التنمية المنشودة في برامجها المختلفة وأدواتها وآلياتها العديدة(28).
هـ - نموذج «ساروم» الإنكليزي، والذي أشرفت عليه إدارة البيئة بالمملكة المتحدة، ويعتمد خصوصاً على بناء نموذج محاكاة له أسس نظرية متّسقة لدراسة مستقبل الموارد العالمية(29).
فميزة هذه النماذج «للمستقبليات» العالم، على اختلافها الإيديولوجي والسياسي والاجتماعي، أنها تتكامل، ويكون بعضها مع بعضها الآخر نموذجاً شاملاً وشمولياً لا يهمل في تحاليله وتخطيطاته معطيات التغيير السياسي والاجتماعي: ثروات الطبيعة، علاقات الإنسان بالطبيعة، دور العلم والتقنية في التنمية، علاقة العالم الثالث بالرّأسمالية العالمية، علاقة الدّولة بالمجتمع، صراعات المجتمعات، دور الثقافة والتّعليم والفن والفلسفة في التنمية ..الخ، كما لا تهمل الفضاء العالمي والخريطة الجغرافية للمعمورة، ولو كانت هذه النماذج - في أغلبها - ناشئة في الغرب وذات المنحنى المركزي الأوروبي: فأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينيّة - بتجاربها الحضارية التاريخية - القديمة والحديثة، وبالإشكالات التي تطرحها في التّاريخ المعاصر، عنصر أساسي وبعد مركزي في فكر واستراتيجية الغرب على تباين أنظمته السياسية الاجتماعية. فليس جديداً أن نلاحظ اهتمام الغرب بالعالم غير الغربي – في دراساته وسياساته الاستشرافية المستقبلية.
وفي هذا الإطار، يحتل الوطن العربي مكانة متميّزة باعتباره، في نظرة الغرب، مخزن النّفط والوقود على المدى الطويل(30). كما تختلف صور الوطن العربي في هذه النماذج، وهذا ما يشكّل استراتيجية الغرب نحو الغرب لاعتبارات عديدة وبآليات مختلفة. الثابت أن الفضاء العربي الإسلامي حاضر في فكر وسياسة وبرامج الغرب، وإن اختلفت النّظرة إليه(31). هكذا انخرط العرب - فكراً وسياسة ومواقف وردود فعل - في الدراسات المستقبلية، وكوّنوا إحدى قضاياها المركزية واهتماماتها الأولى.
رد: علم المستقبل في الفكر العالمي المعاصر /د . احمد جدي
السبت يناير 23, 2010 2:10 pm
الهوامش:
ـــــــــــــــ
(*) أستاذ التاريخ الحديث ـ تونس.
(1) كثرت في الغرب المعاصر المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تدرس علمياً وأكاديمياً واستراتيجياً التاريخ المعاصر، وبخاصّة تاريخ الزمن الحاضر (Institut de l’histoire du temp present) في مجالاته العديدة. وأبرز مثال على ذلك - في فرنسا- معهد تاريخ الزمن الحاضر بباريس ومديرة باحث ورئيس دراسات بالمعهد الفرنسي للبحث العلمي (C.N.R.S.:Center National de la Recherche Scientifique).
(2) اختلاف مفهوم الزمن (Temps) من حضارة إلى أخرى ومن نظام معرفي اجتماعي إلى آخر ظاهرة مميّزة في تاريخ الفكر والثقافة والفلسفة والاجتماع الثقافي والأنتروبولوجيا الثقافية. وهي علامة من علامات التباين والتحول بين الإنسان ومحيطه العام وتاريخه الطويل، انظر:
Georges Poulet, Etudes sur le temps humain, 2tomes (Paris: Edition du Rocher, 1976), et Paul Ricoeur: Temps et recit historique,l’order philosophique (Paris: Edition du Seuil, 1983), et Le Temps raconte, l’order philosophique (Paris: Edition du Seuil, 1985).
(3) Jurgen Hebermas, La Technique et la science comme ideologie, traduit de l’allmand et preface par Jean-Rene Ladmiral, collection les essais; 183(Paris: [Gallimard], 1973).
(4) Jean Touchard, Histoire des idees politiques, themis: Manuels juridiques, economiques et politiques, 3 eme mise a jour (Paris: Presses Universitaires de Farance, 1967).
(5) Gilbert Durand, Les Structures anthropologiques de l’imaginaire: Introduction a l’archetypologie general, collection etudes superieures; 14 ([paris]:Bordas, 1969).
(6) Tzvetan Tdorov, Symbolisme et interpretation, collection poetique (paris: Seuil, 1978), et Bertil Malmberg, Signes et symboles: les Bases du langage human, connaissance des langues; v. 11(paris: A. and J. picard, 1977).
(7) Michel Foucault, L’Archeologie du savoir, bibliotheque des sciences humaines (Paris Gallimard, 1969).
( Daniel Bell, ed, Toward the year 2000; Work in Prograss, Dudalus Library; v. 11(Boston, MA: Houghton Mifflin Co, 1986).
(9) Harrison Brown, James Bonner and john Weir, The Next Hunderd Years: Man’s Natural and Technological Resources; a Discussion Prepared for Leaders of American Industry (New York: Viking Press, 1957).
(10) Lester R.brown, World without Borders (New York: Random House, [1972]).
(11) Edward Cornish , The Idea of progress: An Introduction in the Art and Science of Understanding and Shaping Tomoerrow’s World (Washington, DC: World Future Society,1977).
(12) J. B. Bury, The Idea of Progress: An Inquiry into Its Origin and Growth, introduction by Charles A. Bread (New York: Macmillan Company, 1932).
(13) Daniel Bell, The coming of Post – industrial Society; a Venture in Social Forecasting (New York: Basic Book,[1973]).
(14) Harrison Brown, The Challenge of Man’s Futur; an Inquiry Concerning the Condition of Man during the Years thet Lie Ahead( New York: Viking Press, 1954).
(15) Ossip k. Fleachtheim, History and Futurology, with a foreward by Robert Jungk (Meisenheim am Glan: A. Hain, 1966).
(16) Albert Somit, Political Science and the Study of the Future (Hinsdale. IL: Dryden Press, 1974).
(17) Arthur B. Bronwell, ed, Science and Technology in the World of the Future (New York: Wiley-Interscience, [1970]).
(18) Arthur B. Bronwell, ed, Science and Technology in the World of the Future (New York: Wiley-Interscience, [1970]).
(19) Christofer Freenan and Marie Jahoda, eds, World Future : The Greate Debate (Brighton: university of Sussex, 1979).
(20) Murad Saifulin , ed, The Future of Society; a Critique of Modern Bourgeois Philosophical and Socio-political Conceptions, Theories and Critical Studies (Moscow: Progress Publishers, [1983]).
(21) Alvin Tpffler, Future Shock (New York: Random House, [1970].
(22) Richard A.Falk, A Study Of future Worlds, Preferred Worlds For the 1990’s (New York: Free Press, [1975]).
(23) M. Marian, Future Survey Annual Book, 1986 ([Baltimore, MD]:Maryland, 1987), and Ervin Laszlo [et el], Goals for Mankind: A Report to the Club of Rome on the New Horizone of Global Community (New York: Dutton, 1977).
(24) Organisation for Economic Co-operetion and Develoment [OECD], Interfuture: Intermediate Results: Review Phases A and B: Comparative Evolution of Models ([n.p]: OECD, 1977).
(25) Donella H.Meadows , The Limites to Growth; a Report for the club of Rome’s Project on the Predicament of Mankind (New York: Univers Book, [1972]).
(26) M.D. Mesarovic ,Present State in the Development of the Multilevel Trogionalized World System Models (Cleveland: [n.pb],1977).
(27) R. Petrella, «Ideological Basis and Impact of World Models: A Comparasion», Rio de Janeiro (Novembre – 3 Desembre 1965).
(28) W. Leontief , The Future of the World Economy: Preliminary Report (New York: United Nations Departement of Economic Affaires, 1978).
(29) M.Moiro, Food and Agriculture Model (Austria: Gerbart Bruchman, 1977).
(30) M. Abd Arrahman, Concepts and Practice of Future Studies Using Models in the Arab Region (Beirut: Office og Eduction, 1980).
(31) Laszlo [et al], Goals for mankind: A Report to the Club of Rome on the New Horizons of Global Community.
المصدر: محنة النهضة ولغز التاريخ في الفكر العربي الحديث والمعاصر: 160.
ـــــــــــــــ
(*) أستاذ التاريخ الحديث ـ تونس.
(1) كثرت في الغرب المعاصر المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تدرس علمياً وأكاديمياً واستراتيجياً التاريخ المعاصر، وبخاصّة تاريخ الزمن الحاضر (Institut de l’histoire du temp present) في مجالاته العديدة. وأبرز مثال على ذلك - في فرنسا- معهد تاريخ الزمن الحاضر بباريس ومديرة باحث ورئيس دراسات بالمعهد الفرنسي للبحث العلمي (C.N.R.S.:Center National de la Recherche Scientifique).
(2) اختلاف مفهوم الزمن (Temps) من حضارة إلى أخرى ومن نظام معرفي اجتماعي إلى آخر ظاهرة مميّزة في تاريخ الفكر والثقافة والفلسفة والاجتماع الثقافي والأنتروبولوجيا الثقافية. وهي علامة من علامات التباين والتحول بين الإنسان ومحيطه العام وتاريخه الطويل، انظر:
Georges Poulet, Etudes sur le temps humain, 2tomes (Paris: Edition du Rocher, 1976), et Paul Ricoeur: Temps et recit historique,l’order philosophique (Paris: Edition du Seuil, 1983), et Le Temps raconte, l’order philosophique (Paris: Edition du Seuil, 1985).
(3) Jurgen Hebermas, La Technique et la science comme ideologie, traduit de l’allmand et preface par Jean-Rene Ladmiral, collection les essais; 183(Paris: [Gallimard], 1973).
(4) Jean Touchard, Histoire des idees politiques, themis: Manuels juridiques, economiques et politiques, 3 eme mise a jour (Paris: Presses Universitaires de Farance, 1967).
(5) Gilbert Durand, Les Structures anthropologiques de l’imaginaire: Introduction a l’archetypologie general, collection etudes superieures; 14 ([paris]:Bordas, 1969).
(6) Tzvetan Tdorov, Symbolisme et interpretation, collection poetique (paris: Seuil, 1978), et Bertil Malmberg, Signes et symboles: les Bases du langage human, connaissance des langues; v. 11(paris: A. and J. picard, 1977).
(7) Michel Foucault, L’Archeologie du savoir, bibliotheque des sciences humaines (Paris Gallimard, 1969).
( Daniel Bell, ed, Toward the year 2000; Work in Prograss, Dudalus Library; v. 11(Boston, MA: Houghton Mifflin Co, 1986).
(9) Harrison Brown, James Bonner and john Weir, The Next Hunderd Years: Man’s Natural and Technological Resources; a Discussion Prepared for Leaders of American Industry (New York: Viking Press, 1957).
(10) Lester R.brown, World without Borders (New York: Random House, [1972]).
(11) Edward Cornish , The Idea of progress: An Introduction in the Art and Science of Understanding and Shaping Tomoerrow’s World (Washington, DC: World Future Society,1977).
(12) J. B. Bury, The Idea of Progress: An Inquiry into Its Origin and Growth, introduction by Charles A. Bread (New York: Macmillan Company, 1932).
(13) Daniel Bell, The coming of Post – industrial Society; a Venture in Social Forecasting (New York: Basic Book,[1973]).
(14) Harrison Brown, The Challenge of Man’s Futur; an Inquiry Concerning the Condition of Man during the Years thet Lie Ahead( New York: Viking Press, 1954).
(15) Ossip k. Fleachtheim, History and Futurology, with a foreward by Robert Jungk (Meisenheim am Glan: A. Hain, 1966).
(16) Albert Somit, Political Science and the Study of the Future (Hinsdale. IL: Dryden Press, 1974).
(17) Arthur B. Bronwell, ed, Science and Technology in the World of the Future (New York: Wiley-Interscience, [1970]).
(18) Arthur B. Bronwell, ed, Science and Technology in the World of the Future (New York: Wiley-Interscience, [1970]).
(19) Christofer Freenan and Marie Jahoda, eds, World Future : The Greate Debate (Brighton: university of Sussex, 1979).
(20) Murad Saifulin , ed, The Future of Society; a Critique of Modern Bourgeois Philosophical and Socio-political Conceptions, Theories and Critical Studies (Moscow: Progress Publishers, [1983]).
(21) Alvin Tpffler, Future Shock (New York: Random House, [1970].
(22) Richard A.Falk, A Study Of future Worlds, Preferred Worlds For the 1990’s (New York: Free Press, [1975]).
(23) M. Marian, Future Survey Annual Book, 1986 ([Baltimore, MD]:Maryland, 1987), and Ervin Laszlo [et el], Goals for Mankind: A Report to the Club of Rome on the New Horizone of Global Community (New York: Dutton, 1977).
(24) Organisation for Economic Co-operetion and Develoment [OECD], Interfuture: Intermediate Results: Review Phases A and B: Comparative Evolution of Models ([n.p]: OECD, 1977).
(25) Donella H.Meadows , The Limites to Growth; a Report for the club of Rome’s Project on the Predicament of Mankind (New York: Univers Book, [1972]).
(26) M.D. Mesarovic ,Present State in the Development of the Multilevel Trogionalized World System Models (Cleveland: [n.pb],1977).
(27) R. Petrella, «Ideological Basis and Impact of World Models: A Comparasion», Rio de Janeiro (Novembre – 3 Desembre 1965).
(28) W. Leontief , The Future of the World Economy: Preliminary Report (New York: United Nations Departement of Economic Affaires, 1978).
(29) M.Moiro, Food and Agriculture Model (Austria: Gerbart Bruchman, 1977).
(30) M. Abd Arrahman, Concepts and Practice of Future Studies Using Models in the Arab Region (Beirut: Office og Eduction, 1980).
(31) Laszlo [et al], Goals for mankind: A Report to the Club of Rome on the New Horizons of Global Community.
المصدر: محنة النهضة ولغز التاريخ في الفكر العربي الحديث والمعاصر: 160.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى